الخميس، 19 فبراير 2009

أمن دولة

الخميس، 19 فبراير 2009

أمن دولة

" ملعون ابو الحكومة "
إنطلقت العبارة مدوية تهز أرجاء المقهى في حين تابع قائلها بفخر ساذج
_ نعم .. لم تعد تهمنى سياط جلاديهم و لا معتقلاتهم
فليدعوني اقولها بصراحة , ثم يفعلوا بي ما يشتهون بعدها
لقد كان جباناً حين رفض ان يفتح المعبر
توجه الى احد الجالسين و انتشل الجريدة التي انشغل بقراءتها و قال موجها الحديث اليه :
_ حتى انت يا عبد العاطي افندي كنت ستفتح المعبر لو كنت مكانه اليس كذلك ؟
مط عبد العاطي شفتيه ثم استرد جريدته واضعا اياها على المنضدة التي امامه وناظراً للأتجاه المعاكس ..
في قرارة نفسه أراد ان يقول " نعم " لكنه يعلم جيدا ان للحوائط آذان
يعلم أن المقهى يعج بأولئك الذين يعيشون على مصائب الاخرين و فواجعهم و كوارثهم ..
مرشد أمن الدولة قد يكون رقيق القلب مرهف المشاعر لا يحب الاذى للأخرين
لكنه في الوقت نفسه لا يرغب في قلة الشغل , لديه متطلبات و اعباء و افواه مفتوحة على مصرعيها في انتظار و لو لقمة واحدة تسد الرمق
إذا لم يصطاد فريسة لعدة ايام فإنه لا يبالي بالارشاد عن اي شخص ولو زورا
و محي باشا _ أو اي كان اسمه _ لا يرحم
كان عبد العاطي يعلم ذلك كله لذلك آثر ان لا يتكلم
فقط اكتفي بإطلاق زفرة حارة بث فيها كل لواعجه
اطلقها بكل شجاعة فهو يعرف ان أمن الدولة لا يلقى القبض على المواطنين بتهمة الزفرات الحارة بعد
.
.
اشاح الرجل الموتور بيديه ثم امسك بيد صبي المقهى المشغول بتقديم الطلبات و قال له :
_ أنت تعرف يا " صديق " أنه خائن و عميل و لكنك تدعي الجهل بالسياسة
تريد ان تأكل عيش و تذهب اخر اليوم لزوجتك و اولادك و تنام في سلام , بينما اخوانك في غزة يحرقون و ينسفون و يصابون بالسرطان .. !
نظر اليه صديق متظاهرا بالغباء .. و حك شعر رأسه قائلا :
_ انت بتكلمني انا يا " طلبة " بيه ؟
لم يكن صديق بمنأى عن السياسة حقا , و لم يكن اقل سخطاً من عبد العاطي افندي
خاصة و هو الشاب الذي حصل على ليسانس الحقوق فقط ليعمل " قهوجي " بعد ذلك
كان يعلم ان فرص العمل المحترمة لا تأتي الا لأولاد " الباشوات " فقط
و هو لم يكن يوما ابن باشا لكي ينال مكانة تعب و اجتهد و بذل ابويه كل غال و نفيس لكي يحصل عليها
كان يملك من الاسباب ما يجعله يصب جام غضبه على الحكومة
لكنه كان اعقل من ان يتهور فيندم
هناك اب قعيد و ام مكلومة وأربعة من الاخوة قد يشردون لو فقدوا عائلهم الوحيد
ليس الوقت وقت سياسة على الاطلاق
.
.
_ أيها الجبناء .. !
تباً لكم .. و لمرشدي أمن الدولة .. و للحكومة ايضاً
لن يمنعني اليوم اي شىء عن قول الحقيقة
قالها " طلبة " و جلس جوار شخص لا يعرفه
شخص يراه لأول مرة
و هو الذي يحفظ مرتادي المقهى عن ظهر قلب
ليس من الحكمة ان تدلي بكل ما لديك امام رجل لا تعرفه
_ سامحنى .. هل انت جديد في المنطقة ؟
رد عليه الرجل بتهذيب :
_ ليس تماما .. مررت بالحارة مصادفة .. فتوقفت لإلتقاط الانفاس و احتساء فنجان من القهوة
_ و ما رأيك ؟
_ القهوة جيدة فعلا
_ أقصد ما رأيك في كلامي ؟
_ عين العقل والحقيقة , كنت ابحث طوال النهار عن شخص استطيع التحدث معه في مثل هذه الامور دون خوف
لكن يبدو ان الاحداث الاخيرة اصابت الجميع بالجبن
_ إذا فأنت ترى انه خائن و عميل ؟
_ بالظبط .. لن يمنعني احد عن الاقرار بحقيقة مثل تلك
استدار الرجل نصف استدارة على كرسيه ليواجه عبد العاطي افندي و صاح في فرح :
_ هل رأيت يا عبد العاطي .. ؟ يقول انه عميل .. هناك إناس لا تخشى في الحق لومة لائم
عليك حقا ان تخجل من نفسك
لم يلق رداً من عبد العاطي الذي تظاهر بانهماكه في القراءة

* * *

"
يعلم أن المقهى يعج بأولئك الذين يعيشون على مصائب الاخرين و فواجعهم و كوارثهم
"
* * *

أخرج " طلبة " علبة سجائر و قدم واحدة الى الغريب بإمتنان واضح في حين تابع :
_ و الصحف الحكومية لا تكف عن تبرير موقفه و شجب تصريحات رجل شريف مثل نصر الله
شىء يجعلك تشعر ان المصريين كلهم متواطئين مع المجازر الاسرائيلية ضد اخواننا الفلسطينين
و كأننا لسنا مصريين و لا نمت لهذه البلد بصلة
أومأ الرجل برأسه بما يعني انه يوافقه الرأي و اكتفى بالتعليق بكلمة واحدة
_ مظبوط
* * *

"
إذا لم يصطاد فريسة لعدة ايام فإنه لا يبالي بالارشاد عن اي شخص ولو زورا
"
* * *

_ لقد أرتحت لك كثيرا .. أنت نموذج للرجل الشريف .. , دعنا نذهب لمكان آخر يبدو ان الحديث بيننا سيطول اكثر
من الصعب العثور على شخص مثلك هذه الايام
قالها " طلبة " و امسك بيد الرجل الغريب ناهياً اياه عن وضع يده في جيبه
فقد عزم على دفع الحساب
ثم انطلقا بحثا عن مكان اخر يسع نقاشاتهم السياسية الخطيرة
.
.
في وقت لاحق سيميل صديق صبي المقهى ليقترب من أذن عبد العاطي هامسا :
_ أنا خائف على الاستاذ " طلبة "
الرجل الذي خرج معه لم يكن يوحي بالثقة
سينظر اليه " عبد العاطي " وقتها و يقول هازئاً :
_ أما انا فأخاف أكثر على هذا الرجل الغريب
الذي ساقه حظه التعس الى المقهى في هذه الساعة السوداء
..
عبد الحميد محمد

الثلاثاء، 10 فبراير 2009

أجازة

الثلاثاء، 10 فبراير 2009

أجازة


ـ " أريد أن اختلي بنفسي لفترة " 0
قالتها و مضت دون حتى ان تلتفت وراءها
أردتُ أن اقول انني كنت اظن طيلة الفترة الفائتة أنني نفسها
و لكني خشيت أن أجرحها
..
هكذا دلفتْ حبيبتي الى بهو التأمل
هادئة
ناعمة البال
و لا أدري إن كانت تعلم شىء عن معاناتي
ام انها نثرت روحها تلقائيا مثل ذرات واهنة
في سماء هذه العزلة الرجيمة مضحية في سبيلها بكل نفيسٍ و غال .. !
أخبرتها انني بانتظار رسالة منها متى فرغت من عزلتها
و الحق انني تمنيت لو انها ارسلت لي هذه الرسالة في نفس التوقيت الذي قلت فيه ذلك
لكنها لم تفعل
تمنيت ان التفت ورائي لأجدنا وجها لوجه
نتنفس دهشتنا .. و نذوب في ابتسامةٍ خلابة
لكنها لم تكن ورائي
و الآن سأخبرك بتفاصيل الايام التي ستمر علىّ بعد ذلك
الايام التي ستمر بطيئة و كأنها السلحفاة التي تود ان تعبر المحيط
سأستيقظ من نومي ليستبد بي النعاس

ثم تتجافي عيوني عن النوم
و سأنصرف أكثر لمجالسة الرفاق هرباً من الوحدة القاتلة
أهرع الى هاتفي كلما أذن باستقبال رسالة جديدة
و يُفلت قلبي ثلاث ضربات بدلا من واحدة و انا أطالعها
سيهرول الفرح أملاً في ان يلثم جبين اللقاء
ثم تكون خيبة أملي بحجم هذا العالم الذي لم أثق فيه الا بالفرقة
هكذا سوف اقضي الايام القادمة سائلا نفسي السؤال الأزلي مائة مرة كل خمسين
لماذا ؟
لماذا رضيتي لهذه الغصة ان تستقر بحلقي ؟
سؤال ساذج .. و لكني لا اعرف إجابته حقاً
لماذا تتركين لي وردة اليأس تلك , كي اشم رحيقها وحيداً ؟
أعلم أنك عاجلاً ام آجلاً سوف تهشمين خاصرة المستحيل
و ترسلين تلك الرسالة الحلم
أما أنا يا حبيبتي
أنا الذي تمرغت طويلا في تراب الحزن
فلن أتجاسر و احاول ان اصون كرامتي المهدرة
لن أصدك , او اخبرك أنني لم أعد كما كنت
لن أملك وقتها الا أن أفرح بك
و ادعوك لتناول فنجان من القهوة سأكون قد اعددت ملايين مثله
و انا بإنتظارك
فمتى إذن .. ستفصح عزلتك الكئيبة عن خاتمة ؟
.
.
أفلتت دمعة من عين " كامل " و هو يعيد قراءة آخر ما خطته أنامل أخيه قبل وفاته بيوم واحد
ثم راح يرمق تلك الفتاة التي لا يعرفها و الجالسة وسط جموع المعزين
و هي تبكي بمرارة وحرقة
..
عبد الحميد محمد

الأحد، 1 فبراير 2009

!.. هاتفٌ ما

الأحد، 1 فبراير 2009
إنه انا
ذلك الذي تعتبره الاغلبية مجرد مخبول آخر

في حين يراه قليلون شخصية مميزة
واعتقد انني واحد من اهم اعضاء القائمة الاولى
كنت اود ان احكي لكم اجمل قصة كتبتها و لكني نسيتها
لهذا ارجوا ان تسامحوني و تكتفوا بهذه القصة

هاتفٌ ما



لم يكن " حسين " يمارس اي نشاط سوى التدخين و تناول العشاء
و لم يكن يذهب الى اي مكان سوى صالة " البلياردو " او المتجر الذي يعمل به
كان نموذج طيب لذلك الشاب الذي لا يحلم بأي شىء
لم يكن شريرا .. يمكنك القول بأنه ذلك الشخص الذي يقف عند الحدود الجمركية لمملكة الطيبين
و جمهورية الأشرار .. لكنه حتى هذه اللحظة كان لا يزال داخل مملكة الطيبين
في هذا اليوم قرر ان يذهب الى مكان آخر غير صالة البلياردو
كابينة هاتفية متهالكة تقع على مقربة من بيته
و الهدف كان محددا وواضحا لاقصى درجة
سيتصل بتلك الفتاة التى عشقها لفترة طويلة عن بعد
و التي لا تعرف عنه أي شىء .. و قد يعود السبب الى عائلتها التي بدا جليا انهم من الاثرياء
سيتصل بها و يخبرها بكل شىء
حتى و ان كانت النتيجة هي " صدمة " جديدة تُضم الى قائمة الصدمات السابقة
.
.
حسنا .. لقد صرت الان تعرف كل شىء عن حسين , و عن ما ينتوي القيام به
لكنك لن تفهم ابدا لماذا توقف حسين قرابة الساعة و نصف عند الكابينة .. يدور حولها احيانا و يقف منتصبا امامها احايين أخرى
و ارجو الا يتبادر الى ذهنك انه كان يكلم حبيبته لان سماعة الهاتف لم تبرح مكانها لحظة واحدة
هذا المعتوه لا يتحدث الى احد عبر الهاتف .. لو شئت الدقة لقلت انه يتحدث الى الهاتف ذاته
.
.
الاشياء لها لغة .. و شخصية
نحن نعرف ذلك و لكننا لا نتعمق فيه
من يجازف بالتوغل اكثر في هذه المنطقة يصير شاعرا او يجن
و لكن أي لغة تحدث بها حسين مع هذا الهاتف الذي بدا انه ثرثارا ؟
.
.
_ لا تحاول .. ! 0
في البداية أقنع نفسه ان الجملة ترددت في ارجاء ذهنه , لكن مع تكرارها أيقن ان مصدر الصوت خارجي و لا شك
تلفت حوله عله يجد أحدا يكلمه لكنه كان وحيدا تماما
نمت الى ذهنه تلك الفكرة المخيفة , لكنه طردها سريعاً
هناك متسع فيما بعد لكي يجن بكل اريحية , اما الان فهو مشغول بمحاولة التحدث الى حبيبته
لا وقت للجنون هنالك
_ نعم .. انا من يتحدث اليك
من العبث حقا ان يكلمك هاتف و من العبث اكثر ان تجد نفسك ترد عليه
قال له و هو لا يزال غير مصدق : 0
_ حسبت ان مهمتك هي ان تمنح البشر فرصة للحديث من خلالك .. لم اكن اعلم ان الامر تطور لكي تتحدث أنت
رد عليه الهاتف بثقة : 0
_ كنت كذلك قبل ان اكتشف ان هناك من يخاف من مجرد الحديث الى شخص يحبه
يا صاحبي محاولتك هذه تأخرت ثلاث سنوات كاملة .. كنت انتظرك فيها يوما بعد يوم و لكنك لا تجىء

_ و الآن حين جئت .. تحاول انت تعطلني بحديثك الفارغ .. ؟ من فضلك دعني انهي هذه المهمة لكي استريح
_ قلت لك لا تحاول .. فأنا لا امنح فرص الحديث الى اللصوص
رانت الكلمة الاخيرة على قلبه فأدمته أكثر
و تذكر على الفور تلك الواقعة التي مر عليها عامين كاملين و لكنه لم يستطع ان ينساها لحظة
.
.
لم يعتبر نفسه لصاً حين اقدم على ذلك
لقد سرق .. ! 0
نعم استولى على مائة جنيه من حصيلة المتجر الذي يعمل به
كان جائعا , و لم يكن في جيبه مليم
لو كان المطلوب منه ان يموت جوعا هذه الليلة فإنه يعتذر عن هذا الشرف
الغريب حقا انه لم يشعر بالشبع ابدا
إبتاع طعاما كثيرا يكفيه لاسبوع و تناوله كله .. لكنه لم يشعر بالشبع
والآن بعد عامين يريد هاتف احمق ان يحاسبه على جريمة لم يستفد منها و لم يشعر العالم بحدوثها
.
.
نفض عنه ذكرياته المريرة وراح يضرب ازرار الهاتف بعنف
لكن رقما واحدا لم يكتب على شاشة الهاتف الصغيرة
ضحك الهاتف ساخرا و قال :0
_ هل تظن حقا انك تستطيع التحدث دون إرادتي ؟
_ و هل تظن حقا انه لا يوجد هاتف في العالم سواك ؟
_ يمكنك الذهاب الى اي هاتف تريد و لكنك لن تتحدث من خلالي ابدا
إستفزته ثقة الهاتف كثيرا فإشتعل غيظا و صار لا يريد من هذه الدنيا الا ان يتحدث لاي شخص لكن عبر هذا الهاتف بالذات
راح يضرب الازرار من جديد دون جدوى
لن تتحكم فيه قطعة المعدن هذه مهما كانت الظروف
تناول عصا كانت ملقاة على الارض و ضرب بها الأزرار و لكن لا جديد
و ضحكات الهاتف تتعالى اكثر مع كل ضربة
.
.
_ لم يهتز لك جفن و انت ترى الطفل الصغير يُضرب بلا رحمة أملا في أن يخرج مائة جنيه لا يعرف حتى شكلها
_ كفى
_ لقد اوسع صاحب المحل الصبي ضرباً في حين لم تكلف نفسك عناء الشعور بالذنب
_ قلت لك كفى .. لا اريد أن اسمع
قالها حسين و مضى من امام الكابينة الهاتفية لا يلوى على شىء
إنه حقا لم ينس تلك الواقعة الآثمة
فلما أراد الهاتف ان يفتق جرحه المتقيح في هذه اللحظة بالذات
هل حقا ليس له أن يحب مثل باقى الخلق لمجرد انه سرق ؟
شعر بحرارة الافكار تكاد تفتك برأسه
أراد أن يطفىء لهيبها
فلم يجد أمامه سوى النيل فاتحا ذراعيه عن آخرهما
إرتمى في حضن امواجه الهادئة
ناسيا ان الساعة قد تخطت الثلاثة صباحا
و ان الشارع خاويا الا من عدة اعمدة متهالكة للأنارة
و ناسيا ايضا انه لا يعرف العوم
.
.
في اليوم التالي تجمهر الناس عند المرسى المهجور
يقال انهم انتشلوا جثة جديدة لشاب في مقتبل العمر
الجميع راحوا يتسائلون عن سر انتحار شاب مثله
في حين انشغل عمال البلدية في ازالة كابينة هاتفية متهالكة
لا تعمل منذ اسبوع
..
عبد الحميد محمد
 
Design by Pocket
This template is brought to you by : allblogtools.com Blogger Templates